السبت 17 مايو 2025 - 10:26
رقم : 4058
إیران تلکس - في رحاب الشرق الأوسط الجغرافي، حيث تتشابك خيوط التاريخ والسياسة، وتلعب الموارد الطبيعية دورًا محوريًا في معادلات القوة، برزت قطر كلاعب بارز. هذه الإمارة الصغيرة، ذات الكثافة السكانية غير الكبيرة والمساحة المحدودة، تمكنت بفضل احتياطياتها الوفيرة من النفط والغاز، من اكتساب نفوذ يتجاوز أبعادها الفيزيائية.
قطر ليست دولة، ليست أمة، بل هي شركة!
فمن استضافة فعاليات دولية باهرة إلى استثمارات واسعة النطاق في شتى أنحاء العالم، والقيام بأدوار في النزاعات الإقليمية، كانت قطر دائمًا في صدارة الأخبار.
ولكن لفهم عمق وطبيعة هذا النشاط، نحتاج إلى نظرة تتجاوز السطح وإدراك للهياكل الأساسية التي شكلت هذه القوة. يبدو أن قطر، أكثر من كونها دولة-أمة بالمفهوم الكلاسيكي، تحمل أوجه تشابه كبيرة مع "شركة" كبرى؛ شركة تهيمن فيها منطق الربح والاعتبارات الاقتصادية، بالتفاعل مع النفوذ الخارجي، على العديد من جوانب سياستها الداخلية والخارجية.
إن استعارة "الشركة" لتحليل وضع قطر هي أداة مفهومیة قوية تسمح لنا بالنظر إلى ديناميكيات هذا البلد من زاوية مختلفة.
في السنوات التي تلت اكتشاف الموارد الهيدروكربونية الهائلة، اعتمد اقتصاد قطر بشكل متزايد على استخراج وتصدير هذه الثروة الطبيعية. وقد أدت هذه التبعية إلى تشكيل هيكل ديموغرافي خاص؛ حيث يشكل المواطنون القطريون أقلية، بينما يشكل المهاجرون من مختلف الدول الآسيوية والأفريقية الجزء الأكبر من القوى العاملة.
هذه القوى العاملة هي المحرك الرئيسي لاقتصاد قطر، لكن ارتباطها بالهوية الوطنية وعمليات صنع القرار الكبرى غالبًا ما يكون باهتًا ومقتصرًا على دور العمال.
في المقابل، فإن الثروة الناتجة عن هذه الموارد تتركز بشكل أساسي في أيدي النخب الحاكمة التي تتخذ القرارات الرئيسية في غياب مؤسسات ديمقراطية شاملة.
هذا الهيكل يختلف بشكل واضح عن مفهوم الدولة-الأمة، حيث يشكل السكان المتجانسون ذوو الحس المشترك بالانتماء والمشاركة السياسية الركن الأساسي.
النقطة الأخرى التي تستحق التأمل هي الدور التاريخي والمستمر للقوى الخارجية في تشكيل واستمرار هذا الهيكل. كما ذكرنا، فإن "التحالف الأمني" مع القوى الغربية، وخاصة في المراحل الأولى لتطوير الموارد النفطية، قد أرسى الأساس لنوع من الاعتماد المتبادل.
في هذه العلاقة، تم تأمين أمن الحكام المحليين مقابل الوصول إلى الموارد والمصالح الاقتصادية للقوى الخارجية. هذا الإرث التاريخي لا يزال يؤثر على استقلالية عمل قطر على الساحة الدولية ويعزز الهيكل "الشركي"، حيث تحظى المصالح الاقتصادية والاعتبارات الأمنية بالتفاعل مع القوى الكبرى بالأولوية.
إن تداعيات هذا الهيكل "الشركي" على السياسة الخارجية والدور الإقليمي لقطر كبيرة ومثيرة للجدل في بعض الأحيان. فقد وفرت الثروة الهائلة لقطر إمكانية القيام باستثمارات واسعة على المستوى العالمي ولعب دور الوسيط في النزاعات الإقليمية.
لكن هذه الثروة نفسها كانت أيضًا أداة لتعزيز أهداف محددة ودعم جماعات تتعارض توجهاتها مع مصالح لاعبين إقليميين ودوليين آخرين.
إن الدعم المالي والتسليحي القطري لجماعات مثل طالبان، وداعش، وجبهة النصرة، وغيرها... على الرغم من أنه يتطلب دراسة دقيقة وموثقة، إلا أنه يشير إلى حقيقة أنه في الهيكل "الشركي" لقطر، غالبًا ما تعطى الاعتبارات الجيوسياسية والسعي إلى اكتساب النفوذ الأولوية على الاستقرار والأمن الإقليميين.
كما أن الاستثمارات الضخمة في وسائل الإعلام مثل قناة الجزيرة عملت كأداة لتعزيز أهداف السياسة الخارجية لهذا البلد.
إن نظرة إلى دول الخليج الفارسي الأخرى تظهر أن قطر ليست وحدها في هذا الهيكل "الشركي".
فدول مثل الكويت والإمارات والبحرين تتبع إلى حد ما نموذجًا مشابهًا؛ عدد قليل من المواطنين مقابل عدد كبير من العمالة المهاجرة، واقتصادات تعتمد على تصدير الموارد الهيدروكربونية، وهياكل سياسية تكون فيها المشاركة العامة محدودة.
حتى المملكة العربية السعودية، على الرغم من اتساعها وعدد سكانها الأكبر، تشترك في جوانب مثل الاعتماد على النفط ودور العمالة الأجنبية في هذا النموذج.
في هذه البلدان، يعتمد التطور والرفاه إلى حد كبير على العمال المهاجرين الذين غالبًا ما يواجهون تحديات في مجال حقوق الإنسان وعدم الاستقرار الوظيفي.
في الختام، يمكن القول إن فهم قطر والدول المماثلة في المنطقة كهياكل تحمل خصائص "شركة" كبرى، ليس تبسيطًا ساذجًا، بل هو نهج تحليلي يساعدنا على فهم منطق سلوكها على الصعيدين الداخلي والدولي بشكل أفضل.
هذه الهياكل، على الرغم من الثروة والنفوذ الذي حققته، تواجه تحديات أساسية في مجالات التنمية السياسية والعدالة الاجتماعية والاستدامة طويلة الأجل.
إن الانتقال إلى اقتصادات أكثر تنوعًا، والإصلاحات السياسية، والاهتمام بحقوق جميع سكان هذه البلدان، هي من بين الضروريات التي ستشكل مستقبل هذه الهياكل "الشركية".
إن التأمل في هذه الهياكل وتداعياتها ليس ضروريًا لفهم ديناميكيات الشرق الأوسط فحسب، بل أيضًا لفهم تعقيدات التفاعل بين الاقتصاد والسياسة والقوة في عالم اليوم.
 
https://www.irantelex.ir/ar/article/4058/
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني

أحدث العناوين
الأكثر قراءة