QR codeQR code

عظيمات إيران ... أمهات ومناضلات يكتبن التاريخ والمستقبل في آن

إیران تلکس , 18 تشرين الثاني 2025 ساعة 20:42

مراسل : سید نصرالله-یوسف

إيران تلكس - في زمنٍ كان فيه حضور المرأة في ساحات النضال السياسي والديني محصورا في الظل، برزت شخصية استثنائية كتبت بدمها وصمودها فصلا مجيدا من تاريخ النضال ضد استبداد نظام الشاه. إنها مرضية حديدجي دباغ واحدة من أبرز رائدات الحركة الإسلامية النسائية في إيران قبل وبعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1978


 


واليوم وفي ذكرى رحيلها، وتقديرا منا لعظيم تضحياتها وتكريما لما قدمته في سبيل الله والوطن، وإيمانا منا بأن بيان دور المرأة ومساهمتها في تاريخ الثورة الإسلامية يجب أن يحظى بالأهمية والضرورة التاريخية والثقافية فقد أعددنا تقريرا صحفيا سرديا تحليليا للإيفاء بهذه المهمة.

جمعنا في هذا التقرير بين الوقائع التاريخية، الإنجازات السياسية والعسكرية، والبعد الإنساني لحياة المناضلة الإيرانية مرضیة حديدجي دباغ، علّنا نوّفق في تسليط الضوء على الصورة الواقعية للمرأة الايرانية المعطاء ومكانتها الرائدة في الجمهورية الاسلامية الإيرانية والتي يسعى الغرب دوما إلى تشويهها وتضليل الرأي العام بسردياته الزائفة.

مرضیة دباغ: رائدة النضال النسائي في ثورة إيران الإسلامية
وُلدت مرضیة حديدجي، المعروفة أيضا باسم مرضیة دباغ، عام  1939 في همدان، ونشأت في أسرة متدينة ومثقفة. بدأت رحلتها المُلهمة من مكتب تقليدي (كتّاب) في همدان، حيث تعلمت القراءة رغم الظروف الصعبة التي كانت تحيط بها آنذاك لكن إرادتها لم تتوقف عند ذلك؛ فتعلّمت الكتابة أيضا، ودرست القرآن و"نهج البلاغة" و"مفاتيح الجنان" تحت إشراف والدها، لتنتقل لاحقا إلى طهران مع زوجها محمدحسن دباغ، حيث بدأت رحلتها الحوزوية والسياسية على حدّ سواء.

وفي طهران، ورغم رعايتها لثلاثة أطفال، درست مرضیة المقدمات الحوزوية لدى الأستاذ آقا كمال مرتضوي في شارع خراسان، ثم درست الفقه والأصول والأخلاق لدى آية الله علي خوانساري، ودرّست بعدها المراحل الدراسية الدنيا.

من تلاميذ الشهيد آية الله سعيدي إلى قلب الكفاح المسلح
في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، دخلت دباغ عالم النشاط السياسي عبر توزيع منشورات الإمام الخميني (رض)، وسرعان ما أصبحت من أبرز الناشطات في الخلايا السرية التي كان يشرف عليها الشهيد آية الله محمد رضا سعيدي الذي ساعد في أن يعرفها برجال دين من قم مثل آية الله حسينعلي منتظري، والسيد عبد الرحيم رباني شيرازي، والسيد محمد منتظري، ما أدخلها مباشرة في ميدان الكفاح السياسي. وبعد استشهاده عام 1970، تحمّلت مسؤولية استمرار العمل التنظيمي، ونجحت في بناء شبكة واسعة من القواعد النسائية، بالتعاون مع طلاب جامعات بارزة مثل جامعة طهران، الشهید بهشتي (الجامعة الوطنية سابقا)، جامعة شريف (آريا مهر)، والعلوم والتكنولوجيا، كما تمكّنت بمساعدتهم من إنشاء قواعد تنظيمية في شمال إيران (تنكابن)، وجنوبها (آغاجاري)، وغربها (همدان).

لكن مسارها لم يكن سهلا؛ ففي عام 1973، ألقت سلطات السافاك القبض عليها وابنتها رضوانة البالغة 14 عاما، وعُذّبتا معا في "اللجنة الأمنية المشتركة". ومع ذلك، لم تتمكن هذه الضغوط من كسر صمتها ولم يُفلح التعذيب في كسر إرادتها ورفضت الإدلاء بأي معلومات أثناء التحقيق.

وبعد فترة نُقلت إلى سجن القصر ليتم تعذيبها بقصوة شديدة. وهناك تعرّفت على العديد من الناشطين السياسيين، وادّعت أنها امرأة عادية وأمية، فحاول حراس السجن إجبارها على تعلّم القراءة والكتابة. لكن عدوى الجروح استمرت حتى رفض زملاؤها غير المتدينين مشاركتها الزنزانة.

حينها أرسل بعض زملائها رسالة إلى مؤسسة فرح بهلوي لشرح وضعها، فدخلت دباغ في غيبوبة بسبب تفاقم العدوى، وشخصّها الأطباء خارج السجن بأنها مصابة بسرطان جلد متقدم، وهو ما أكّده تقرير اللجنة الطبية. وبسبب تدهور حالتها الصحية جراء جروح التعذيب، خُفّف حكمها من 15 سنة إلى سنة وأربعة أشهر، وأُفرج عنها.

عظيمات إيران ... أمهات ومناضلات يكتبن التاريخ والمستقبل في آن

من لندن إلى معسكرات المقاومة في لبنان
وبعد شفائها الجزئي، غادرت إيران سرا عام 1974، لتبدأ مرحلة جديدة من النضال من الخارج. وكانت لندن وجهتها الأولى حيث أقامت فيها 3 اشهرومن ثم غادرت برفقة الشهيد محمد منتظري إلى سورية حيث انضمت إلى مجموعة "جماعة رجال الدين المناضلين" تحت إشراف الشهيد محمد منتظري.

مارست نشاطها السياسي من خلال هذه المجموعة، التي كانت تضم ايضا شخصيات مثل السید محمد غرضي، السید سراج‌الدین موسوي، ناصر آلادپوش و علي جنتي، حيث نظّمت مظاهرات احتجاجية، وشاركت في إضرابات جماعية، وروّجت لخط  وفكر الإمام الخميني (رض).

بعدها توجهت إلى العراق حيث التقت الإمام الخميني (رض) في النجف الأشرف. و بعد إقامتها في العراق لمدة 45 يوما، حصلت الدباغ على إذن من الإمام الخميني (رض) للذهاب إلى لبنان حيث تدربت في معسكرات فلسطينية على الحدود السورية–اللبنانية على فنون القتال وحرب العصابات وشاركت في عدة عمليات ضد الكيان الصهيوني.

وفي لبنان، تعرّفت على الإمام موسى الصدر والشهيد القائد مصطفى شمران، ومنذ ذلك الحين أصبحت تتنقّل بين سورية ولبنان، وغالبا ما كانت تتولّى تدريب النساء المناضلات اللواتي يأتين إلى لبنان لأغراض عسكرية. وكانت تستخدم أسماء مستعارة خلال نشاطها مثل "الأخت طاهرة"، و"دباغ"، و"زينب أحمدی نيلي".

وفي عام 1978، التحقت بالإمام الخميني(رض) في نوفل لو شاتو بباريس، لتتولّى بإتقان شديد إدارة شؤون بيته وحمايته الشخصية. كانت تتولّى فحص كل رسالة أو طرد قبل وصوله إليه، خشية المؤامرات وظلّت وفية لهذا الدور حتى لحظة عودته إلى طهران.

قائدة في الحرس الثوري ونائبة في البرلمان
بعد انتصار الثورة، لم تتقاعد دباغ؛ بل كانت في طليعة من ساهم في تأسيس حرس الثورة الإسلامية في غرب إيران، وتولّت قيادة فيلق همدان بين عامَي 1980 و 1982. ولعل أبرز الشخصيات التي كانت تعمل تحت إمرتها في حرس الثورة الاسلامي آنذاك الشهيد القائد حسين همداني، الذي استشهد في سورية عام 2016، وكان يشغل آنذاك منصب نائب قائد فيلق القدس في حرس الثورة الاسلامية.

 واجهت فوضى ما بعد الثورة وتمردات الجماعات المناهضة، لكن سجلها الحافل في العمل العسكري ساهم في نجاحها بإنهاء التمرد في كردستان إيران وسنندج عام 1979، كما ساعدها في المساهمة بإنهاء دور زمرة  المنافقين (مجاهدي خلق) في إيران بين عامي 1979 و 1982.نجت من محاولتي اغتيال، كما أُصيبت بجروح جراء قذيفة في كردستان.

سياسيا، انتُخبت نائبة عن طهران في الدورة الثانية والثالثة لمجلس الشورى الإسلامي، وترأست قوات التعبئة النسائية (البسيج)، وكانت نائبة رئيس جمعية المرأة في الجمهورية الإسلامية الايرانية.

ولعلّ أبرز مهامها الدبلوماسية كانت في عام 1989، حين اختارها الإمام الخميني (رض) ضمن وفد رسمي برئاسة آية الله جوادي آملي لتسليم رسالة الإمام الشهيرة إلى الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، داعيا إياه إلى "دراسة الإسلام".

إرث لا يُنسى
تقول المناضلة العظيمة في مذكراتها أنها تعرضت لكافة أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، بغاية سحب اعترافات منها عن المجموعة التي تعمل معها، وتابعت قائلة "عندما فشلوا في أخذ اعتراف مني، جاؤوا بابنتي رضوانة دباغ، كان عمرها 14 سنة وبدؤوا بتعذيبها، لكني لجأت لقراءة آيات قرآنية، كي أتناسى صراخ ابنتي تحت التعذيب، ولم اعترف بشيء".

مذكراتها حكاية ورواية في مقطع زماني تبدأ منذ المخاض والولادة حتى انتصار الثورة الاسلامية، يُعرض فيها بعض المصائب والمحن التي ابتلي بها الثوار. وتبقى شاهدا حيا على دور المرأة المسلمة في صنع التاريخ، لا كمتفرجة، بل كقائدة، مُنظّمة، ومجاهدة.

ونُشرت بعض مذكراتها في كتب مثل: "التحليق بالنور"، و"مذكرات مرضیة حديدجي"، "الأخت طاهرة"، و "والدة الانقلاب" بالإضافة إلى مقابلات صحفية عديدة.

والجدير بالذكر أن المناضلة مرضية دباغ، التي هي أم لـ 8 أبناء، دخلت ساحة النضال بكل وعي واعتقاد كامل، تبقى رمزا لـ المرأة الإيرانية المقاومة، التي لم ترضَ أن تكون في الخلف، بل رسمت طريقا يُحتذى به للنساء في العالم الإسلامي: طريق الإيمان، النضال، والتضحية من أجل الحرية والدين.

توفيت مرضیة دباغ 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 (27 آبان 1395) عن عمر يناهز 77 عاما، بعد صراع طويل مع المرض، ودُفنت في حرم الإمام الخميني (رض) بطهران، تاركة خلفها إرثا نضاليا نادرا.

وقد نعاها  قائد الثورة الاسلامية اية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي، قائلا: "برحيل المرأة المجاهدة والثورية التي لم تعرف التعب. هذه المرأة الشجاعة والفدائية في زمان الشاه الطاغوتي، التي لم يستطع السجن و التعذيب أن يضعف من عزيمتها في الدفاع عن الثورة وفي أداء وظيفتها. نسأل الله لهذه المرأة المخلصة أن تشملها المغفرة و الرضوان الإلهي".


رقم: 6071

رابط العنوان :
https://www.irantelex.ir/ar/news/6071/عظيمات-إيران-أمهات-ومناضلات-يكتبن-التاريخ-والمستقبل-في

ايران تلکس
  https://www.irantelex.ir