إيران تلكس - يُعد المؤتمر العالمي لتنمية الاتصالات لعام 2025 (WTDC-25)، الذي انطلق اليوم الاثنين باستضافة جمهورية أذربيجان، حدثا مستمرا ومتخصصا لكثير من الدول، وهو منصة لتبادل الآراء الفنية والتقنية، ومشاركة الخبرات، واستعراض الاتّجاهات الحديثة في تطوير الاتصالات. لكن بالنسبة للجمهورية الإسلامية الايرانية، اكتسب هذا المؤتمر لهذا العام معنى مختلفا كليا
فبعد "الحرب السيبرانية" التي استمرّت 12 يوما، والتي استهدفت البنية التحتية الحيوية والرقمية للبلاد ووضعَتنا في مرمى أعقد الهجمات الرقمية، يُعد المؤتمر العالمي لتنمية الاتصالات لعام 2025 (WTDC-25)، أول مناسبة دولية تُتاح لإيران لتقديم روايتها حول الصمود والمقاومة والثبات الوطني.
نحن لسنا اليوم في هذا المؤتمر بصفتنا وفدا فنيا متخصصا فقط، بل نحن حاملو رواية الصمود الوطني، وممثلو نموذج المقاومة الرقمية لإيران، وسنعرض هذه الرسالة في المنتدى الرئيسي للمؤتمر، وأيضا في سلسلة من اللقاءات المكثّفة رفيعة المستوى مع وزراء الاتصالات من روسيا، الهند، ماليزيا، الجزائر، باكستان، وأذربيجان، وكذلك بلقاءات مع الأمين العام وكبار مسؤولي الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU).
1- المرونة الرقمية: تحويل الأزمة الى رأسمال استراتيجي
في عالم اليوم، لم تعد التكنولوجيا هامشية في السياسات الاقتصادية أو الثقافية أو الأمنية، بل أصبحت في قلب القوّة الوطنية. كما أثبتت الأحداث الأخيرة، فان الحدود السيبرانية أحيانااصبحت اكثر أهمية من الحدود البرية.
إن الحرب الإلكترونية السيبرانية التي استمرت 12 يوما ضد إيران، بالإضافة إلى الخسائر والضغوط، كشفت عن حقيقة مهمة مفادها: ان الجمهورية الإسلامية الإيرانية وصلت الى مرحلة من القدرة بحيث لا تقف فقط بثباتٍ في وجه الهجمات الواسعة، بل تستطيع أيضا، بالاعتماد على بنيتها التحتية المحلية، استعادة وصيانة شبكة الاتصالات الوطنية بأكملها.وقد أصبحت هذه التجربة اليوم ركيزة للدبلوماسية التقنية الإيرانية، وها نحن نصل إلى باكو حاملين خبرة عملية وليست نظريات كلامية فحسب.
2- الدبلوماسية التقنية: ضرورة وجود إيران قوية في عالمٍ مترابط
في العالَم المترابط اليوم، تُحقّق الدول الناجحة نجاحا مزدوجا؛ فهي لا تُركّز فقط على التنمية الداخلية، بل تمتلك أيضا قدرة تفاوضية قوية، وحضورا فاعلا في سلسلة القيمة التقنية، وتتمكّن من تحقيق حصّة في الأسواق العالمية.ورغم أن العقوبات التقنية خلال السنوات الماضية، قد سعت لعزل إيران عن هذه السلاسل، إلا أن النتيجة كانت عكس ما خطّط له الأعداء.
فقد استهلّت إيران مسارا ذاتيا بقوّة، ووصلت اليوم الى مرحلة أصبحنا فيها قادرين على تصدير التقنية، والخدمات السحابية، ومعدّات الشبكات، والبرمجيات، والحلول الرقمية.
وفي هذا السياق، يُعد الحضور في المناسبات الدولية ضرورة استراتيجية وليس خيارا.و يُعد المؤتمر العالمي لتنمية الاتصالات لعام 2025 (WTDC-25) ،فرصة لكي تنتقل إيران من موقع "مستفيد" من النماذج الدولية الى موقع "فاعلٍ مؤثر" يُحتذى به على الصعيد العالمي.
3- مفاوضات مكثّفة مع الدول وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي
وعلى هامش المؤتمر ، من المقرر عقد سلسلة من اللقاءات المهمّة مع وزراء الاتصالات في روسيا، الهند، ماليزيا، الجزائر، باكستان، كينيا، وأذربيجان، وكذلك مع الأمين العام وكبار مسؤولي الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU).
و في جميع هذه اللقاءات ، سنؤكد على مبدأ واحد مشترك، الا وهو : «ضرورة حماية حقوق الشعوب والبنى التحتية الحيوية في الحروب الحديثة، وفي الوقت ذاته السعي نحو تطوير التعاون الفني والتجاري والبحثي كمسارٍ لا غنى عنه لتحقيق الاستقرار العالمي».
تهدف هذه اللقاءات الى إعادة تعريف المشهد الإقليمي والدولي الجديد، من أجل توسيع أسواق التصدير للشركات الإيرانية في آسيا وأفريقيا، والاندماج في شبكات تبادل المعرفة والابتكار، وبناء طرق جديدة للمشاركة في المشاريع الإقليمية، والتفاعل مع الدول التي ترغب في الاستفادة من الإنجازات والخبرات الإيرانية.
وقد ساعدَ هذا النهج إيران على الظهور في باكو ليس كدولةٍ مشاركة فقط، بل كـ "فاعلٍ نشط" في ميدان الدبلوماسية التقنية.
4- التكنولوجيا: حقّ للشعوب وليس أداةً للهيمنة
وفي هذا المؤتمر،سنؤكد على أن تطوير الاتصالات ليس ترفا أو امتيازا، بل هو حق إنساني لا يجب تحويله إلى أداة للضغط أو العقوبات أو الهيمنة. هذه ليست مجرد مواقف سياسية، بل هي تجربة حية نقدّمها لبقية الشعوب. فالعقوبات التكنولوجية خلال السنوات الماضية حاولت تقييد القدرات الصناعية والتعليمية والتجارية والابتكارية في إيران، لكن النتيجة كانت عكس ذلك تماما إذ أدّت الى قفزة نوعية وتحقيق الاستقلال التكنولوجي من خلال القدرات المحلية الذاتية.
وفي سياق الدبلوماسية التقنية، فإن رسالة الجمهورية الإسلامية الايرانية للعالم هي أن إيران اليوم دولة مستقلة في مجال تطوير الاتصالات، وتملك قدرات تصديرية في البنية التحتية السحابية والخدمات الرقمية، وتملك نموذجا محليا وطنيا مجربا في الأمن السيبراني. وهذه الرسالة تمثّل مصدر إلهام للشعوب والدول في منطقتنا وللدول المستقلة حول العالم.
5- بداية مرحلة جديدة في الدبلوماسية التقنية الإيرانية
بيد أن الدبلوماسية التقنية في مؤتمر باكو ليست نهاية مهمة فنية، بل هي بداية فصل جديد من التعاون المتبادل مع الدول والشعوب في مجالي الأمن السيبراني وتطوير الشبكات الذكية، والاقتصاد الرقمي الذاتي، والتحول الرقمي للدول.فان المؤتمر العالمي لتنمية الاتصالات لعام 2025 (WTDC-25)، قد تحول إلى فرصة لإرساء الدبلوماسية التقنية الإيرانية وتعزيزها.
نتجه الى باكو وفي جعبتنا سردية جديدة؛ سردية بلد صمد أمام أشرس حرب سيبرانية في المنطقة، وهو الآن جاهز ومستعد لمشاركة تجربته وتقديم نفسه شريكا في تطوير الاتصالات العالمية.
وأخيرا، هذه المذكّرة دعوة موجّهة الى جميع الجهات والمؤسسات والشركات الحكومية والخاصة العاملة في مجال التكنولوجيا في البلاد: «ليس طريق إيران المستقبلي مقتصرا على التنمية المحلية فقط، بل يشمل الحضور الفاعل في الساحات الدولية والأسواق الإقليمية والعالمية، وقد بدأت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بتسهيل هذه الطريق».