وتسعى ايران باستخدام موقعها الاستراتيجي والتعاون مع أرمينيا إلى تفعيل الممر متعدد الأبعاد الخليج الفارسي-البحر الأسود؛ وهو طريق يمكنه أن يغير معادلات النقل في المنطقة ويخفض تكلفة وزمن التجارة مع أوروبا.عاد تفعيل هذا الممر إلى الواجهة عندما وسّطت الولايات المتحدة في اتفاق بين أرمينيا وأذربيجان لتشغيل ممر زنغزور من أجل ربط أذربيجان بنخجوان عبر أراضي أرمينيا، مما يعرض الحدود الشمالية لإيران لتهديد الوجود الأميركي والكيان الصهيوني.
في الاجتماع الأخير لرؤساء جمهورية إيران ورئيس وزراء أرمينيا، كان أحد الموضوعات الرئيسية هو مشروع خط سكة حديد جلفا-أرمينيا-جورجيا وفي النهاية الاتصال بالبحر الأسود.
السيد حميد بورمحمدي، نائب الرئيس ورئيس منظمة التخطيط والميزانية في ايران، أكد أن حكومة إيران تتابع هذا الطريق كأولوية استراتيجية وأن مفاوضات جادة جارية مع الجانب الأرميني والدول المعنية الأخرى لتنفيذه.هذا الطريق هو جزء من مبادرة إقليمية "ممر الخليج الفارسي - البحر الأسود" التي أُطلقت في عام 2016 بالتعاون بين إيران والهند وأرمينيا.
ووفقًا لهذه الخطة، يتم شحن البضائع من الموانئ الجنوبية الإيرانية وبعد عبور أراضي أرمينيا وجورجيا، تصل إلى موانئ بوتي وباطومي على البحر الأسود، ثم تُنقل عبر السفن إلى موانئ بلغاريا ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي.
هذا الممر، بالإضافة إلى ربط الحوضين البحريين الخليج الفارسي والبحر الأسود حول إيران ببعضهما، يحمل ميزة الربط السياسي لإيران بدول البلقان الأوروبية التي لديها سياسات أكثر ليونة تجاه الدول الغربية.
ويعتقد الخبراء أن هذا المشروع سيكون له عدة إنجازات مهمة لإيران:
أولاً، ستصبح إيران نقطة اتصال لأربعة أحواض بحرية مهمة - الخليج الفارسي، بحر عمان، بحر قزوين والبحر الأسود - ويمكنها ربط مصالحها الاقتصادية مع دول هذه المناطق.
ثانيًا، يقلل هذا الطريق من اعتماد إيران على تركيا كممر رئيسي إلى أوروبا ويوفر خيارًا أكثر أمانًا وتكلفة أقل.
ثالثًا، سيعزز هذا الممر مكانة إيران في التعاون الإقليمي مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، منظمة شنغهاي للتعاون و BRICS.الميزة الاقتصادية لهذا الطريق أيضًا ملحوظة. تظهر الدراسات الدولية أن المبادرات المماثلة مثل ممر الشمال-الجنوب (INSTC) حققت توفيرًا في التكاليف بنسبة تصل إلى 30٪ وانخفاضًا في زمن النقل بنسبة تصل إلى 40٪.
لذلك من المتوقع أن يكون لممر الخليج الفارسي-البحر الأسود تأثير مماثل.
من ناحية أخرى، عززت التطورات الجيوسياسية في العالم دافع الدول لاستخدام هذا الطريق. الأزمات الأخيرة في قناة السويس، الحرب في أوكرانيا، انعدام الأمن في البحر الأحمر، حرب التعريفات الجمركية لترامب والوجود الأمريكي في القوقاز وجوار إيران وروسيا، زادت من ضرورة إيجاد طرق بديلة للتجارة الدولية.في هذا الإطار، الهند كرابع أكبر اقتصاد في العالم، مهتمة باستخدام هذا الطريق للوصول إلى أوروبا بشكل أسرع وأرخص.
أرمينيا كشريك رئيسي في هذا المشروع أيضًا تدرك منافعه الاقتصادية والسياسية. بينما تسعى هذه الدولة لتقليل الاعتماد فقط على تركيا وأذربيجان، فهي بتعاون إيران ودعم الاتحاد الأوروبي، تعمل على تطوير بنيتها التحتية للنقل خاصة في محافظة سيونيك.
إيران أيضًا تشارك من خلال وجود شركاتها المقاولة في مشاريع الطرق والسكك الحديدية في أرمينيا.
خبراء النقل يعتقدون أن تفعيل ممر الشمال-الجنوب وممر الخليج الفارسي-البحر الأسود في وقت واحد يمكن أن يحول إيران إلى أحد اللاعبين الرئيسيين في النقل العالمي. مثل هذه المكانة، بالإضافة إلى العوائد الاقتصادية، ستزيد من قوة التفاوض السياسيةلإيران في المعادلات الإقليمية والعالمية.
وبالتالي، فإن تأكيد إيران وأرمينيا مرة أخرى على تنفيذ خط سكة حديد من جلفا إلى البحر الأسود يظهر أن هذا المشروع ليس مجرد خطة نقل؛ بل هو أداة استراتيجية لتعزيز المكانة الجيوسياسية لإيران وخلق طريق موثوق لربط الخليج الفارسي بقلب أوروبا.