إیران تلکس - تتمركز الجمهورية الإسلامية الإيرانية على مدى العقود الماضية دائمًا في قلب الصراعات الجيوسياسية الإقليمية والعالمية. لقد أصبح برنامج إيران النووي، ولا سيما قضية تخصيب اليورانيوم، أحد نقاط الخلاف الرئيسية بين إيران والدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة. تحاول هذه المقالة تحليل الضغوط المفروضة على إيران في أبعادها المختلفة، وتناول استراتيجيات الجمهورية الإسلامية في مواجهة هذه الضغوط، والسيناريوهات المستقبلية المحتملة.
تُعدّ العقوبات الاقتصادية إحدى الأدوات الرئيسية لممارسة الضغط على إيران. بعد انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) في عام 2018، تصاعدت العقوبات بشكل غير مسبوق. استهدفت هذه العقوبات قطاعات رئيسية في الاقتصاد الإيراني بما في ذلك النفط والغاز، والقطاع المصرفي، والتأمين، والنقل. كان الانخفاض الحاد في عائدات العملات الأجنبية، والتضخم المتزايد، وانخفاض قيمة الريال، من أبرز النتائج الملموسة لهذه الضغوط.
على الساحة السياسية، واجهت إيران عزلة دولية نسبية وجهودًا مستمرة للحد من دورها الإقليمي. تعتبر الدول الغربية أن الأنشطة الإقليمية لإيران تهديدًا لاستقرار الشرق الأوسط، ومن هذا المنطلق، اتبعت سياسات لاحتواء القوة الإقليمية لإيران. من ناحية أخرى، تُعدّ العقوبات المستهدفة ضد المسؤولين والمؤسسات والبرامج الصاروخية والعسكرية الإيرانية مكملة للضغوط السياسية.
على الرغم من عدم حدوث مواجهة عسكرية مباشرة حتى الآن بين إيران والولايات المتحدة أو إسرائيل، إلا أن التهديدات العسكرية المتكررة، والهجمات السيبرانية، والتخريب في المنشآت النووية، واغتيال العلماء الإيرانيين (بما في ذلك محسن فخري زاده) تُعدّ جزءًا من الضغوط الأمنية المفروضة على إيران. كما أدى الوجود العسكري للقوات الأجنبية في منطقة الخليج العربي والمناورات العسكرية المشتركة إلى تصعيد الأجواء الأمنية ضد إيران.
أصبح تخصيب اليورانيوم، كأحد الحقوق الفنية والسيادية لأي دولة في إطار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، موضوعًا مثيرًا للجدل في حالة إيران. سعت الدول الغربية، مع القلق من أن قدرة التخصيب قد تؤدي في المستقبل إلى إنتاج أسلحة نووية، إلى ردع إيران عن مواصلة هذا المسار. وقد سعت هذه الجهود بشكل أساسي عبر سياسة الضغط الأقصى. ومع ذلك، أظهرت تجربة الاتفاق النووي أن الغرب، في ظل ظروف معينة، سيكون مستعدًا لقبول تخصيب محدود تحت إشراف صارم من الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لذلك، يبدو أن مبدأ التخصيب لن يُرفض تمامًا، بل سيُدار بشكل محكوم.
في رد فعل على هذه الضغوط، اتبعت إيران نهجًا مزيجًا من المقاومة النشطة، والردع، والدبلوماسية التدريجية. بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، اتبعت إيران في البداية سياسة الصبر الاستراتيجي، ولكنها لاحقًا اتخذت إجراءات مثل زيادة مستوى التخصيب، واستخدام أجهزة الطرد المركزي المتطورة، والحد من التعاون مع الوكالة، ساعية بذلك إلى خلق عوامل ضغط متبادلة.
على الصعيد الدولي، سعت إيران إلى تحقيق التوازن في الضغوط الغربية من خلال تطوير علاقات استراتيجية مع دول مثل الصين وروسيا، وكذلك عضويتها في منظمات مثل بريكس وشانغهاي. في الوقت نفسه، تركت إيران الباب مفتوحًا للمفاوضات غير المباشرة من خلال قبول دور الوساطة لدول إقليمية مثل عمان وقطر.
مع الأخذ في الاعتبار الظروف الراهنة، توجد عدة سيناريوهات رئيسية لمستقبل العلاقات بين إيران والغرب:
1. العودة المشروطة إلى الاتفاق: في حال توفير الأطر السياسية، هناك إمكانية للعودة إلى نوع من الاتفاق الجديد الذي يتضمن تخصيبًا محدودًا، ورفعًا تدريجيًا للعقوبات، وآليات تحقق قوية.
2. استمرار الوضع الرمادي: في هذا السيناريو، لا يتقدم الوضع نحو اتفاق ولا نحو صراع عسكري؛ بل يبقى نوع من التوازن غير المستقر، حيث تواصل إيران توسيع برنامجها النووي، ويحافظ الغرب على الضغوط.
3. تصاعد التوتر والصراع المحدود: إذا تجاوز برنامج إيران النووي العتبات الحساسة، فمن المرجح أن تزداد أعمال التخريب، والاشتباكات المتفرقة، أو حتى الإجراءات العسكرية المحدودة من قبل بعض الدول.
ختاماً، يمكن القول إن المواجهة بين إيران والغرب حول القضية النووية، تتجاوز كونها نزاعًا فنيًا أو قانونيًا، لتكون انعكاسًا لصراع أكبر حول النظام الإقليمي وتوازن القوى. على الرغم من أن سياسة الضغط الأقصى فرضت تكاليف على إيران، إلا أنها لم تنجح في احتواء البرنامج النووي بشكل كامل. من ناحية أخرى، تمكنت إيران، من خلال استراتيجيات متعددة الطبقات، من الحفاظ على موقعها الاستراتيجي وفي بعض الحالات تعزيزه. يعتمد مستقبل هذه المواجهة، لا سيما في ظل التطورات الجيوسياسية العالمية والإقليمية، على مدى الواقعية واستعداد الأطراف لقبول التسوية.